الخلفية
غالبا تحث الأسر في جمهورية مصر العربية أطفالها للتسارع على التعليم العالي (أي الجامعي). مثل العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، تتمحور تطلعات الوالدين المصريين لأطفالهم لتحقيق ألقاب ومكانات اجتماعية مثل “طبيب” أو “مهندس”. وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى الالتحاق بأنظمة التدريب التقني والمهني على أنه غير مفضل.
هناك العديد من الأسباب التي قد تشرح مثل هذه التصورات، بما في ذلك الطبقية ذات الصلة بالعمل والثقافات والمعايير الاجتماعية المتأصلة منذ فترة طويلة. قد يكون أيضاً العامل الكبير هو الفرص الاقتصادية (الأرباح) لأنظمة التعليم المختلفة والفكرة الشائعة بأن خريجي نظام التعليم العالي من المحتمل أن يصبحوا ذوي الياقات البيضاء والرمادية في سوق العمل، وسيتمتعون بحزم تعويضات أفضل وبيئات عمل مواتية، مقارنة بنظرائهم داخلي القوى العاملة الذين خضعوا للتعليم والتدريب في المجال التقني والمهني.
ومع ذلك، بدأ جزء كبير من الأسر والأفراد في إدراك واقع بديل. حيث لا يزال عدد كبير من خريجي الجامعات عاطلين عن العمل لفترة كبيرة، وغير قادرين على العثور على وظائف لائقة. على وجه الخصوص، في الربع الثاني من عام 2021 كوّن “الأكثر تعليما” 81.7٪ من العاطلين عن العمل في السوق الرسمية، مع نسبة أكبر يتحملها خريجو الجامعات، والتي بلغت 43.9٪. [1]
على عكس خريجي الجامعات المثقلين نظرياً، يخضع متعلمو التعليم والتدريب التقني والمهني لتجربة عملية أكثر كثافة. حيث أن معظم مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني ورش عمل تدريبية عملية في مبانيها، مما يُعرّض الطلاب لأدوات ومعدات مماثلة لتلك المستخدمة في فئات مختلفة من مرافق الإنتاج. علاوةً على ذلك، فإن جزءاً محدوداً وإن كان يتوسع من التعليم التقني والمهني، مثل الموجود في (PVTD) مصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني) وكذلك نظام التعليم المزدوج (المتوسع أدناه في “البرامج الدولية”) يفرض على الطلاب قضاء جزء كبير من رحلة التعلُم في مكان العمل.
تحقيقاً لهذه الغاية، نعتقد أنه من الضروري اتخاذ منظور مختلف للتعلم والتعليم والتدريب في المجال التقني والمهني، وتسليط الضوء على الابتكارات القطاعية التي تعزز تفوقه مقابل التعليم العالي، لا سيما فيما يتعلق بتحسين فرص العمل والمكاسب في توليد الدخل لمعظم الشباب والشابات الداخلين لسوق العمل.
تحليل السياق
يستقبل قطاع التعليم والتدريب المهني والتقني في مصر أكثر من مليوني طالب سنويا، يتخرج منهم أكثر من 750,000 متعلم كل عام. من ناحية أخرى، كما هو مسجل للعام الدراسي 2019/2020، تم تسجيل حوالي 3.3 مليون طالب في التعليم العالي، مع نسبة تقريبية 1: 1.5 من الطلاب المسجلين بين التعليم والتدريب المهني والتقني إلى التعليم العالي. وتبلغ أعداد مؤسسات قطاع التعليم والتدريب التقني والمهني حوالي 3500 مدرسة ومركز، وهو ما يتجاوز إلى حد كبير، ولأسباب مفهومة، عدد مؤسسات التعليم العالي، الذي يبلغ مجموعهم 43 مؤسسة.
المصدر: TVET Egypt
وجديرٌ بالذِكر، أن مصر كانت ولا تزال تعاني من تأثير ظاهرة “تضخم أعداد الشباب” حيث يشكل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما حوالي 60٪[2] من السكان نتيجة لمعدلات الوفيات والخصوبة غير المتناسبة.[3] وعلى الرغم من انخفاض إجمالي معدلات البطالة إلى 7.4٪ في الربع الثاني من عام 2022 مقارنة ب 9.6٪ في الربع الثاني من عام 2020[4]، يقدر أن تتراوح بطالة الشباب بين 20٪ و24٪ لعام 2021 (البطالة٪ إجمالي الشباب من إجمالي القوى العاملة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما) مع تفاوت أكبر بين القطاعين الرسمي والغير الرسمي للعمالة.[5]
برامج تحسين التعليم والتدريب التقني والمهني الدولية وبرامج التوظيف القائم على المهارات
تم تخصيص وإطلاق العديد من البرامج الدولية والوطنية لإصلاح التعليم والتدريب التقني والمهني في مصر، مع تحديد المبادرات الدولية الرئيسية على النحو التالي:
- الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ): علامة فارقة في نظام التعليم والتدريب المهني والتقني والتي تحققت في إطار اتفاقية منحة بين الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) ووزارة التربية والتعليم المصرية، بدعم فني مقدم من الوكالة الألمانية للتعاون الفني (GTZ)، الذي يحمل علامة نظام التعليم المزدوج.[6]
- وقد تمت صياغة النظام كشراكة بين القطاعين العام والخاص بين وزارة التربية والتعليم وأصحاب العمل، ومزج بين التعلم المدرسي والتعلم في مكان العمل بهدف تقليل عدم تطابق المهارات بين توفيرالتعليم والتدريب في المجال التقني والمهني وطلب صاحب العمل. لا تزال الوكالة الألمانية للتعاون الدولي تحافظ على هذا الجهد بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم من خلال برنامجها الحالي لتعزيز التوظيف “EPP”.
- الاتحاد الأوروبي (EU): خصص الاتحاد الأوروبي 83 مليون يورو، منذ عام 2005 حتى الآن، للمساهمة في المرحلتين الأولى والثانية من برنامج “المساعدة في إصلاح التعليم والتدريب التقني والمهني في مصر، “TVET I” و “TVET I I” ، والذي يركز على الإصلاح الهيكلي للحوكمة والتصورات الاجتماعية، وجودة التعليم والتدريب التقني والمهني وأهميته، والانتقال إلى العمل.
- الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID): التزمت الوكالة الأمريكية ببرنامج WISE، يليه برنامج القوى العاملة الحالي في مصر، لتحسين أنظمة ومناهج التعليم والتدريب المهني والتقني، إلى جانب الانتقال من المدرسة إلى العمل. على وجه الخصوص، بدأت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2022 بإطلاق المدرسة الدولية للتكنولوجيا التطبيقية بالتعاون مع وزارة التعليم والتعليم العالي.
- هيئة المعونة الكندية: تدخلت هيئة المعونة الكندية ومؤسسة الآغا خان مصر بإصلاحات للتعليم والتدريب التقني والمهني في أسوان، من خلال مشروع تنمية مهارات أسوان.
- حكومة الإمارات العربية المتحدة: قامت حكومة الإمارات في دعمها لمصر، برعاية مبادرة توظيف كبيرة قائمة على المهارات، وهي مشروع التدريب المصري الإماراتي من أجل التوظيف، والتي ركزت بشكل خاص على التعليم المهني باعتباره مسارا رئيسيا لتوظيف الشباب، واستثمرت بشكل أكبر في إنشاء نظام معلومات سوق العمل.
وتتبلور هذه الجهود لإصلاح التعليم والتدريب في المجال التقني والمهني ضمن العديد من جهود الاستدامة التي تبذلها كيانات القطاع الخاص المصرية أو الكائنة بمصر، والتي يتم تسليط الضوء على بعضها في القسم التالي.
المبادرات الوطنية
1. النموذج الوطني الرائد: المدارس التكنولوجية التطبيقية (ATS)
وبالتعلم من نماذج التعليم والتدريب التقني والمهني القائمة على العرض السابقة، والتي لم تستجب بشكل كامل لمتطلبات السوق الفعلية، شرعت وزارة التعليم في تطوير نموذج وطني رائد جديد لإصلاح مؤسسات التعليم والتدريب في المجال التقني والمهني.
يعمل نموذج المدارس التكنولوجية التطبيقية (ATS) في شراكات طويلة الأجل مع كبار أصحاب العمل في الصناعة المطروحة، وتم اعتماده ضمن نظام تعليمي تقني مبتكر جديد لوزارة التربية والتعليم العالي في عام 2018 كعلامة تجارية جديدة للتعليم والتدريب التقني والمهني، تحت مسمى “التعليم الفني 2.0”. حيث تم تطوير منهجية موجهة نحو توليد الكوادر المؤهلة تأهيلا عاليا، يتم تشكيلها من خلال شهادات واعتمادات جديدة يتم تقديمها عبر المعايير الدولية للجودة والكفاءة.
تقدم هذه المدارس درجات التعليم الثانوي الفني لمدة ثلاث سنوات، ودرجات الزمالة المتوسطة الفنية لمدة خمس سنوات (3 + 2). وتركز ATS بشكل خاص على شراكات الاعتماد العالمية، والتعليم المبسط القائم على المركز والقائم على العمل وشراكات أصحاب العمل الرئيسيين.
تحدد هذه القائمة بعض نماذج ATS الحالية التي تعزز شراكات أصحاب العمل.
2. مبادرة يقودها صاحب عمل
استكمالاً لنظام المدارس التكنولوجية التطبيقية (ATS) ، هي مبادرات أصحاب العمل التي تقدم استراتيجيات الاستدامة لأصحاب العمل ذوي الرؤية، وفي نفس الوقت تزويد المتعلمين بمجموعات المهارات المتزامنة مع احتياجات السوق الحالية. على سبيل المثال، يقدم مركز سيكم للتدريب المهني، الذي تديره شركة سيكم القابضة، وهي مؤسسة اجتماعية مصرية رائدة، مثل هذا البرنامج التعليمي المزدوج لمدة ثلاث سنوات لسكان محافظة الشرقية في مختلف المهن الحرفية كجزء من برنامجها الشامل الابتدائي والثانوي.
3. المدرسة الفندقية الألمانية في الجونة (GHS)
تعد من النماذج البارزة للمبادرات التي يقودها أصحاب العمل، والمشروع الرائد لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، هو Deutsche Hotelschule El Gouna، المعروف أيضا باسم المدرسة الفندقية الألمانية في الجونة (GHS). تأسست GHS في عام 2002 كمشروع مشترك بين أوراسكوم القابضة والأكاديمية المصرية الألمانية للاقتصاد والتكنولوجيا، وهي شركة شقيقة ل Dr. P. Rahn & Partner GmbH ، بالتعاون مع IHK لايبزيج وفنادق الجونة والغردقة.
تم نقل ملكية GHS إلى مؤسسة ساويرس في عام 2017، وهي الآن تقدم بشكل فريد تعليما عالي الجودة في مجال الضيافة يجمع بين الدراسة النظرية والتدريب العملي في الفنادق. تقدم GHS برنامج دبلوم مدته 3 سنوات، يكتسب خلاله الطلاب اللغة الألمانية، بالإضافة إلى الكفاءة اللازمة للعمل في صناعة السياحة والفنادق. تُكتسب الكفاءة، المعرفة والممارسة في أربعة مواضيع مختلفة، وهي: المطبخ والخدمة والتدبير المنزلي والمكتب الأمامي، بالإضافة إلى التوافق مع الموضوعات الأخرى التي تفرضها المناهج الوطنية. يتقدم لسوق العمل خريجي GHS بشهادة دبلوم النظام المزدوج الألماني في مجال الضيافة، معتمدة من غرفة الصناعة والتجارة الألمانية في لايبزيغ (IHK) ووزارة التربية والتعليم الفني والتقني في مصر.
ومع قدرة حالية لتسجيل 225 طالباً سنوياً، تتطلع الخطط المستقبلية لGHS إلى مضاعفة هذا العدد إلى الطاقة الاستيعابية المرخصة البالغة 432 متقدما. منذ عام 2005، نجحت GHS في تخريج 843 كادراً قادرين على حمل خبرات التعلم الهائلة ومتطلبات الشهادات الممنوحة لمتعلمي GHS؛ وتظهر الفائدة النهائية في إحصاءات أداء دخول سوق العمل لخريجي GHS. من عام 2016 إلى عام 2020 ، تم قياس متوسط معدل توظيف الخريجين(ات) الجدد في GHS (عادة 18 عاما) عند 34٪.
الاستنتاجات
من خلال الإصلاح التدريجي لأنظمة التعليم والتدريب التقني والمهني، يتمتع حاصلي المؤهلات بروابط محسنة بفرص العمل وبدخل جذاب، وهذا واضح من معدلات المشاركة في السوق ونتائج نماذج التعلم الناجحة للتعليم والتدريب التقني والمهني مثل نظام GHS. ومن ناحية مكملة أخرى، تشكل التطورات في استثمارات أصحاب العمل في التعليم والتدريب التقني والمهني، بقيادة المدارس التكنولوجية التطبيقية، بيئة تعليمية وتدريبية للتعليم والتدريب في المجال التقني والمهني تنافس التعليم العالي فيما يتعلق بالفرص التوظيفية التي يوفرها للمتعلمين. ينتج عن استثمار صاحب العمل على هذا النحو دورة تفاضلية، حيث يتم سد فجوات المهارات في الصناعات، مما يمهد لمزيد من نمو الأعمال، وبالتالي إتاحة لفرص العمل متزايدة للمتعلمين الجدد.
علاوة على ذلك، يتم تفضيل “المكملات الصحية” في شكل مبادرات تجمع بين المهارات المهنية واللغويات الأساسية، ومهارات الحياة الأساسية ومكان العمل القابلة للتسويق، والنظرة التدريجية للمجال الرقمي لا سيما في التكنولوجيا والصناعات القائمة على الأتمتة. ومع ذلك، لا يزال هناك مجال لتحسين إتاحة معلومات السوق، لكل من التعليم والتدريب التقني والمهني وكذلك التعليم العالي، والتي تستفيد منها خدمات مطابقة الوظائف، والتي تعمل عليها العديد من النماذج، مع بعض الخدمات لمتعلمي المجال التقني والمهني، مثل شغلني (Shaghalni) ووظف (Wuzzuf) وغيرهما.