مقدمة عامة
تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجع معدل الأمن الغذائي بسبب تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا والصراع الجاري في السودان والأزمات الممتدة التي يتعرض لها اليمن والتضخم العالمي الحادث في أسعار المواد الغذائية، علماً بأن مصر تندرج ضمن قائمة البلدان التي يشتد تضرّرها منها.[1] ووفق البنك الدولي، يُقدر معدل انعدام الأمن الغذائي في عام 2023 بنحو 6.4٪ من المصريين، وهو ما يُمثل 6.9 مليون نسمة تعاني من سوء التغذية في مصر.[2] وفضلاً عن ذلك، يطرح موضوع الأمن الغذائي المزيد من التحديات أمام الأمهات والأطفال، حيث يتسبب نقص التغذية السليمة خلال فترة الحمل أو في مرحلة الطفولة المبكرة في ارتفاع مخاطر الإصابة بالتقزُّم والهزال وتراجع نواتج التعليم.[3]
وفي سياق التوسع في التعاون الناجح بين مختبر الأبحاث التابع إلى بنك الطعام المصري والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ومؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، أطلقت الأطراف الثلاث المتعاونة سلسلة من الندوات تحت عنوان «الطريق إلى صنع السياسات القائمة على الأدلة». وكما يُشير العنوان، تهدف سلسلة الندوات إلى تسليط الضوء على الأدلّةَ المُستمدة من برامج التنمية الجارية والقائمة في السياق المصري وعلى الصعيد الإقليمي، بالإضافة إلى إقامة العديد من الروابط التي من شأنها إرشاد السياسات وإفادتها.
وتم إطلاق الفعاليات الافتتاحية في السابع من مايو عام 2023، تحت عنوان «تقييم تأثير برامج الحماية الاجتماعية»، والتي سَلّطَت الضوء على الأدلّةَ التي تم التوصل إليها مؤخراً. وتناولت هذه الفعاليات الدراسات الرئيسية التي تم تصميمها بهدف تقييم برامج الحماية الاجتماعية الرئيسية عن طريق إجراء البحوث الدقيقة والتقييمات العشوائية ذات الصلة بهدف تقييم التأثير الناجم عن تحديات الحماية الاجتماعية المعاصرة التي تشهدها مصر.
إطلاق السلسلة
في إطار تقديم السلسلة، عرض السيد/ عبد الرحمن ناجي، مدير قسم التعلم والاستراتيجية لدى مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، نبذة عامة عن التحوُّل الجاري في ممارسات التنمية في مصر، ولاسيما خلال مراحل تصميم المشروعات، والانتقال من الاعتماد على المعارف والخبرات القائمة نحو تصميم نهج يرتكز على الأدلّةَ ويسترشد بالمعارف في ضوء محدودية الموارد. وقد شَدّدَ الدكتور/ محمد القرماني، مدير مُختبر الأبحاث لدى بنك الطعام المصري، على أهمية تعميم فلسفة البرامج المرتكزة على الأدلّةَ، التي تم تعزيزها في مصر بواسطة مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية وبنك الطعام المصري والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وذلك عبر كافة أوساط المنظمات غير الحكومية في كافة أنحاء البلاد، بما يدعم بشكل فعال الحكومة في اعتماد سياسات تم تجريبها وتصنيفها باعتبارها فعالة بناء على أدلّةَ علمية. ومن جانبه، أكد الدكتور/ كيبروم أباي، رئيس برنامج مصر بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، على أهمية إرشاد السياسات العامة بشأن أية أزمات ناشئة بالاستعانة بالمنهجيات المرتكزة على الأدلّةَ.
كلمات افتتاحية
أعرب السيد/ مُحسن سرحان، الرئيس التنفيذي في بنك الطعام المصري، عن شعوره بالسعادة بشأن انتقال التدخلات الاجتماعية في المجتمع المصري نحو البرامج المرتكزة على الأدلّةَ، فضلاً عن إجراء دراسات تقييم التأثير، بما يُسهم في إحداث تَحَوُّل جذري في قطاع المجتمع المدني. ويدعم هذا التَوَجُّه استهداف الفئات الأكثر استحقاقاً في المجتمع عبر خدمات الحماية الاجتماعية. وشَدّدَ السيد/ مُحسن على الأهمية البالغة التي تكمن في إقامة علاقات شراكة بين المنظمات المجتمعية والأطراف الشريكة بالمشروعات ووزارة التضامن الاجتماعي بما يكفل إحداث هذا التغيير.
وألقت المهندسة/ نورا سليم، المديرة التنفيذية لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية الضوء على اهتمام مؤسسة ساويرس باستمرار التعلم التشاركي، وهو ما يندرج ضمن قائمة أولوياتها مع الانتقال نحو تمويل برامج المؤسسة إستناداً على الأدلّةَ العلمية. وأبرزت المهندسة/ نورا سليم أهمية هذه الفعاليات والتي تنبثق من ربطها بين الهدف الاستراتيجي الرئيسي والمُعتمد من مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية والمتمثل في خدمة الفئات الأكثر استحقاقاً والسعي إلى بلوغ هذا الهدف – بدون الاكتفاء بالنوايا الحسنة – بل عبر تعظيم كفاءة استخدام الموارد عن طريق الاسترشاد بالأدلّة العلمية.
وسلط الدكتور/ خالد العطار، نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الضوء على الاستراتيجية التي تعتمدها الوزارة في بناء قواعد بيانات مترابطة ببعضها البعض تدعم منظومة الحماية الاجتماعية وتمكنها من تأدية مهامها بفاعلية، وذلك ضمن جملة مزايا أخرى. وشَدّدَ الدكتور/ العطار على اضطلاع قواعد البيانات المُشار إليها بدور محوري في تدعيم السياسات المرتكزة على الأدلّةَ المتعلقة بالعديد من الأطراف المعنية، من خلال تحليل البيانات الضخمة.
وشَدّدَت معالي الدكتورة/ نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر، على أهمية التحول الرقمي، مع الإشارة إلى تزايد معدل الزخم داخل الحكومة المصرية تجاه اعتماد سياسات مُرتكزة على الأدلّةَ وإقامة روابط لا سبيل للاستغناء عنها بين السياسة من جانب والتحول الرقمي من جانب آخر. وفي معرض حديثها عن مسألة التغذية، أكّدت الوزيرة على مدى تعقيد هذه القضية الإنمائية، والتي تترتب عنها تداعيات مباشرة على معدل النمو في مرحلة الطفولة وصحة الأم والطفل والاعتبارات البيئية وقطاع الزراعة ومعدل الأمن الغذائي ومعدل الفقر.
أدلّة تدعم برامج الحماية الاجتماعية في مصر
خلال العروض التقديمية الرئيسية، استعرض الدكتور/ كيبروم أباي النتائج الأولية التي تم استخلاصها من الدراستين اللتين تم إجراؤهما عند خط الأساس وخط المنتصف بغرض تقييم الأثر الناتج عن برنامج التغذية العام، واللتين استهدفتا أسر تعولها نساء. وأبرز الدكتور/ أباي الدور الواقع على عاتق برنامج التغذية العامة في حماية الاحتياجات الغذائية القائمة على مستوى الأسر المعيشية من التراجع بمعدل حاد بسبب التضخم وغياب الاستقرار الاقتصادي وذلك خلال فترة تجميع المعلومات بين إطلاق دراسة خط الأساس (أغسطس عام 2022) ودراسة خط المنتصف (مارس عام 2023)، بالإضافة إلى إظهار التفاوت في حجم الدعم الغذائي عند المقارنة بين نوعين مختلفين من طرود المواد الغذائية التي يتم توزيعها من قبل بنك الطعام المصري.
وقدمت الدكتورة/ سيكاندرا كردي نتائج تقييم أثر برنامج تكافل وكرامة، بالإضافة إلى نتائج الدراسة الاستقصائية الأولية المعنية بمبادرة فرصة. وتُبرز النتائج على المدى القصير ضرورة الاستمرار في البرنامج وتوسيع نطاق التنفيذ في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وذلك من منطلق مساهمة تحويلات برنامج تكافل في زيادة إجمالي الاستهلاك ومعدل الانفاق على الغذاء. وبالإضافة إلى ذلك، استعرضت الدكتورة/ كردي مجموعة من خصائص المشاركين والمشاركات في مبادرة فرصة التي تستهدف تخريج الفئات المستفيدة من برنامج تكافل بناء على نهج الاختيار الذاتي، والتي يجري تجريبها في الوقت الحالي من قبل الحكومة بهدف التعرف على مختلف الإمكانات المتاحة لدعم الفئات ذات الاحتياج.
وفي هذا السياق، قَدَّم الدكتور/ راجي أسعد، أستاذ التخطيط والشؤون العامة في جامعة مينيسوتا وزميل باحث في منتدى البحوث الاقتصادي، الدروس المستفادة والمُستمدة من تقييم تأثير مشروع التخرج من الفقر المدقع والذي يحمل عنوان «باب أمل» والذي يستهدف الفئات الأشد فقراً. وتقيس الدراسة الأثر المترتب عن التدخلات متعددة الأبعاد، بما في ذلك تحويل الأصول الإنتاجية والتحويلات النقدية، على الأسر المعيشية الفقيرة، مع المقارنة بين الأثر المترتب عن تفاوت مقادير التحويلات. وتُشير النتائج إلى إحراز تَحَسُّن في وضع المشاركين والمشاركات في مختلف التدخلات بالمقارنة مع المجموعة الضابطة بما في ذلك الإيرادات المتأتية من الماشية والدخل الأسري ومعدلات عمالة المرأة مع تفاوت نطاقها.
الختام
يترتب عن الأمن الغذائي انعكاسات صحية واقتصادية عميقة، والتي تحتشد حولها كافة الجهات الشريكة والأطراف القائمة على تنظيم سلسلة الندوات المعنية بإقامة الجسور بين الأدلّةَ والسياسات، باعتبارها منارة علمية تعاونية يتم الاستنارة بها في الأوقات العصيبة. وتتضح الأهمية القصوى التي تكمن في إنشاء برامج حماية اجتماعية تكميلية عبر الجهات الحكومية، علماً بأن إتقان تصميمها سوف يؤدي إلى إحداث تأثير إيجابي على مستويات معيشة الفئات التي ترزح تحت وطأة الفقر والفقر المدفع في مصر. وتلتزم مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية وكذلك يلتزم كل من بنك الطعام المصري والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية بدعم الاستثمارات العلمية وتعزيز علاقات الشراكة في سبيل تمكين السياسات العامة من تنفيذ تدخلات مُثلى واسعة النطاق تستهدف إفلات الفقراء من براثن الفقر، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق التمكين الاجتماعي والاقتصادي على مستوى الأسر المعيشية التي تشتد معاناتها من ضائقة الفقر ويرتفع معدل تعرضها للضرر في مجتمعنا.