التعريف بتوجهات مؤسسة ساويرس لدعم قضية الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية

على مدار أكثر من عقد ونصف، التزمـت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية بإيلاء أولوية واهتمام خاصين بقضية الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية [1] في مصر، وذلك بسبب إدراكنا لتهاوي شبكة العلاقات الأسرية بشكل مٌلفِت، حيث بلغت معدلات الطلاق لعام 2021، 254 ألف حالة طلاق بالمقارنة ب 222 ألف حالة في 2020.[2] ومع تزايد معدلات الفقر في مصر [3] وما يتبعهما من تزايد في معدلات العنف الأسري[4] وظهور سلوكيات تتنافى مع الأخلاق العامة كانتشار العلاقات غير الشرعية داخل وخارج الأسرة[5] ظواهر يدفع ثمنها الأطفال أولا[6]، إما بالتخلي عنهم منذ نعومة أظافرهم أو بهروبهم في سن صغيرة من أسرهم إلى الشارع أو انتهاء الحال بهم في مؤسسة رعائية. وحتى الآن هناك ما يقرب من 9500 طفل في 481 رعاية حسب تقرير وزارة التضامن الاجتماعي المنشور عام 2022[7]، بالإضافة إلى الآلاف من الأطفال الذين يعيشون في ظروف الشارع، والذين ليس لدينا إحصاء دقيق بعددهم.

ونتيجة فقدان هؤلاء الأطفال لرعاية أسرهم البيولوجية، حرصت مؤسسة ساويرس على دعم وزارة التضامن الاجتماعي، ومؤسساتها للقيام بالدور الرعائي والحمائي، ولتقديم خدمات من شأنها تأهيل الأطفال من خلال تدخلات اجتماعية ونفسية وتعليمية ورياضية متكاملة.

استثمرت مؤسسة ساويرس (100 مليون جنيه منذ 2008). شاهد هنا فيلم وثائقي قصير يلخص كيف ساعد هذا الاستثمار في تحسين نوعية حياة الأطفال في مثل هذه الظروف. ولكن على الرغم من الاستثمارات المالية القيَمة التي خصصتها المؤسسة (100 مليون جنيه منذ 2008) لتحسين جودة حياة الأطفال، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من الفجوات التي تحتاج لتدخلات أعمق لتيسير عملية الدمج الإيجابي في المجتمع، وأهمها:

  • تحسين جودة الخدمات المقدمة داخل هذه المؤسسات ومن قِبل مقدمي الرعاية والإداريين.
  • تحسين الصورة المجتمعية السلبية تجاه الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية والتي تؤدي إلى مزيدا من النبذ والإقصاء.
  • تقوية شبكة العلاقات الاجتماعية والمؤسسية الداعمة لهؤلاء الأطفال في مجالات التعليم والرياضة والتوظيف.
  • الاهتمام بأنشطة التمكين والدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والمراهقين بما يؤهلهم جديا للانخراط في المجتمع.

ومن خلال عدة مقالات متتالية سنستعرض تحليلنا للقضية بأبعادها المختلفة، ورؤيتنا للتدخلات التي من شأنها المساهمة في سد الفجوات بين التدخلات القائمة من واقع خبراتنا على مدار العقد الماضي. وفي هذا المقال سنتناول أهم تحدي عام يواجه المؤسسات الداعمة لهذه القضية، وهي استدامة التمويل.

وتعد مسألة خلق موارد مستدامة للتمويل في القطاعات الخدمية والمعيشية (كدور الرعاية) من التحديات الهامة التي تؤثر بشكل مباشر على كل التدخلات السابق ذكرها من جودة خدمات وخلق نماذج ناجحة حقيقية لتغيير الصورة النمطية عن الأطفال وغيرها، فالتمويلات المطلوبة لتلبية احتياجات الأطفال المختلفة في أعمارهم المتباينة تكلف المؤسسات المانحة أموالا طائلة لسنوات ممتدة، دون رؤية عائد مرئي سريع لهذه الاستثمارات المالية، مما قد يؤدي إلى عزوف بعض الجهات المانحة عن الدعم بشكل مستمر ويضع المؤسسات الخدمية في حرج.

ولذلك، نجد أنه من الضروري جدا أن تتكاتف المؤسسات المانحة لدعم قدرات هذه المؤسسات على إدارة مشروعات ربحية خاصة بها، لتغطي نسب كبيرة من احتياجاتها. كما يجب تقوية قدراتها المؤسسية لجذب استثمارات مالية من رجال أعمال يجدون في هؤلاء الشباب قادة وعمالة مستقبلية في شركاتهم ومصانعهم. فربط احتياجات السوق بالتدريبات والتعليم منذ الصغر من التدخلات التي من شأنها ضمان الاستفادة للقطاع الصناعي وضمان معدلات نجاح أعلى من الدمج المستقبلي في سوق العمل.

ولذلك فهناك دورا محوريا يمكن وأن تلعبه الجهات المانحة بخلاف التمويل، وهو العمل على خلق شبكات داعمة من القطاع الخاص والحكومي والتعليمي لبحث احتياجاتهم ودراسة ما يمكن أن يقدموه كاستثمار في المجتمع مقابل عائد مباشر من خلال توصيل خريجي دور وبرامج الرعاية بفرص لائقة حسب احتياجاتهم.

ومن جهة أخرى ولتقليل النفقات والاحتياجات فتكاتف كل الجهات لتذليل العقبات في طريق تفعيل نظام الأسر البديلة الجديد وتسهيل طرق الكفالة والتشجيع عليها يضمن أن هناك أسرة لائقة وآمنة لكل طفل بدلا من إقامته المؤسسية. والذي من شأنه أن يقلل من أعداد الأطفال المقيمين في دور الرعاية وبالتالي أمل أكبر في تقديم خدمات أفضل لمن ليس لديهم فرصة الانضمام لأسر.

وفي ضوء السابق، وضعنا على قائمة أولوياتنا في استراتيجيتنا الحالية (2023-2028)[8] أن ندعم مستويين من التدخلات، وهما:

  1.  رفع كفاءة المؤسسات الرعائية لتحقيق استدامة مالية وتحسين أدائها الإداري، وإنشاء هيئة تدريبية معتمدة، يكون دورها تأهيل وتدريب وتوعية العاملين بالمجال الإنساني الرعائي، ونسعى من خلال دعم هذه التدخلات أن نحسن من البيئة الرعائية للأطفال الذين استحال دمجهم مع أسرهم البيولوجية من خلال الاستثمار في خطط التخرج وذلك لمساعدتهم في تحقيق الاستقلالية بعد إتمامهم السن القانونية.
  2. دعم جهود اللامأسسة  والتي من شأنها أن تؤدي إلى دمج الأطفال في أسر آمنة منذ الطفولة وتتعامل مع الرعاية المؤسسية كالملاذ الأخير الاضطراري. حيث أثبتت كل الدراسات العلمية أن الأطفال الناشئين داخل أسرة أكثر استقرارا نفسيا وأفضل في مستويات التعليم والإنتاجية في الكبر ويتمتعون بصحة عقلية ونفسية وجسدية أفضل بالمقارنة بأقرانهم في المؤسسات الرعائية.[9]

ولذلك، فنحن ندعو لشراكات جديدة مهتمة بدعم قضية الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية، من أجل تحسين حياتهم وضمان فرص أفضل لدمجهم سواء مع أسر أو في المجتمع.

وفي مقالات قادمة سنستعرض جوانب تفصيلية من التدخلات المحققة للامأسسة وتوصياتنا لجموع الشركاء المعنيين والمهتمين بالقضية بالأدوار المحتملة التي يمكن المشاركة بها لتحقيق الهدف.

.

منشورات أخرى

المزيد من الموارد

المشاركة الاجتماعية

الملخص

  1. المقصود بالأطفال فاقدي الرعاية الوالدية، كل الأطفال المقيمة في مؤسسات رعائية من الأطفال في ظروف الشارع والأيتام.
  2. عدد حالات الطلاق (2020-2021): الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (capmas.gov.eg)
  3. التقرير العربي الثاني حول الفقر المتعدد الأبعاد (undp.org)
  4. سويلم، إنجي؛ فهيم، منة الله؛ هشام، ريم; ومجدي، يوستينا، “حول التربية الإيجابية: منع العنف التأديبي ضد الأطفال داخل الأسر المصرية. “العنف التأديبي ضد الأطفال داخل الأسر المصرية” https://fount.aucegypt.edu/studenttxt/100
  5. الجندي، حسن. دراسة الطب الشرعي للاعتداء الجنسي على الأطفال في القاهرة الكبرى، مصر، خلال فترة 7 سنوات: 2005-2011. Am J الطب الشرعي ميد باتول. 2013 ديسمبر;34(4):335-41.
  6. أبو سرية، م.، عبد الرحمن، أ.، مصطفى، ح.، وفرج، ه. (2019). دراسة حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في محافظات القاهرة في الفترة من (2012) إلى (2016). مجلة عين شمس للطب الشرعي والسموم الإكلينيكية, 32(1), 31-39. article_15883_34edfa16ec82ea2fa9a24f8db8ab1775.pdf (ekb.eg)
  7. تقرير وزارة التضامن الاجتماعي المنشور عام 2022: وزارة التضامن الإجتماعى تفاصيل الخبر (moss.gov.eg)
  8. استراتيجية مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية: استراتيجيتنا الحالية (2023-2028)
  9. فان إيزيندورن، بالاسيوس، سونوجا باركي، جونار، فوريا، ماكول، ليماري، بيكرمانز كرانينبرج، دوبروفا كرول، جوفر. الأطفال في الرعاية المؤسسية: تأخر التنمية والمرونة. Monogr Soc Res Child Dev. 2011 ديسمبر ؛ 76 (4): 8-30 Children in Institutional Care: Delayed Development and

المؤلف (المؤلفون)

ميرال المصري

ميرال المصري، عاملة في مجال التنمية منذ أكثر من 11 سنة، حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسة، وعلى درجة الماجيستير في علم الاجتماع والإنسانيات، تدير برنامج الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية بمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، وبرنامج تمكين المرأة سابقا.

[DISPLAY_ULTIMATE_SOCIAL_ICONS]