دعم السياسات البيئية المبنية على الأدلة في مصر: إطلاق مركز حابي

 

المقدمة: ضرورة حماية البيئة في مصر

تواجه مصر – مهد الحضارات- الآن مخاطر مناخية وجودية على الرغم من المساهمة بنسبة ضئيلة في انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا.[1] إذ يؤدي المناخ الحار والجاف في البلاد إلى ضغوط بيئية متزايدة، مما ينعكس سلبًا على مسار التنمية الوطنية، وتعاني حالياً مصر من ضغوط مناخية نتيجة ارتقاع متوسط درجة الحرارة السنوية في مصر بمقدار 1.74 درجة مئوية بين عامي 1901 و2021، وتشير التوقعات إلى زيادة حادة أخرى قدرها 2.1 درجة بحلول منتصف هذا القرن، وقد تصل إلى 4.4 درجات مئوية مع نهاية القرن في حال استمرار سيناريوهات الانبعاثات المرتفعة، تنذر المؤشرات بمستقبل مناخي أكثر قسوة يتطلب استعدادًا جادًا وسياسات بيئية مبنية على الأدلة لمواجهته بفعالية.[2]

وتعتبر مصر من أكثر الدول تأثرًا بتغير المناخ، ويجد صانعو السياسات أنفسهم اليوم أمام مفترق طرق حاسم[3]، إذ تتفاقم التحديات مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يزيد من حدة أزمة ندرة المياه، فقد انخفض نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة من 1,426 مترًا مكعبًا في عام 1977 إلى 558 مترًا مكعبًا فقط في عام 2022، ما يضع مصر تحت خط الفقر المائي وبالقرب الشديد من حد الندرة المطلقة البالغ 500 متر مكعب للفرد.

ورغم أن مصر تعتبر من أكثر الدول تأثرًا بتغير المناخ، لا تزال قلة المعلومات المناخية تعيق فهم الواقع وتقوض جهود التنمية، وتؤثر فجوات الأدلة سلبًا على عملية اتخاذ القرار القائم على الأدلة وتؤدي إلى تشتت العمل المناخي في مختلف أنحاء البلاد[4]. يضاف إلى ذلك أن 20% من سكان مصر يواجهون الفقر متعدد الأبعاد[5]، و30% يعانون من الفقر النقدي[6]، مما يجعل تغير المناخ عبئًا إضافيًا يعمّق تحديات سبل
العيش وظروف الحياة، مما يعظم الحاجة إلى وضع سياسات مبتكرة تستند إلى الأدلة لمواجهة هذه التحديات المتداخلة وحماية التنمية البشرية من التهديدات البيئية.

 

حابي: قوة تشاركية لدفع التقدم البيئي

تتمثل أحد التحديات الحالية في إدارة المناخ في وجود فجوات بين السياسات المناخية عالية المستوى وتنفيذها العملي على المستوى القطاعي والمحلي. ولذلك، تتطلب الإدارة الفعالة للمعرفة المناخية هيكلا منظمًا ومتسلسلًا للتنفيذ، وتوفر الحكومة المركزية التوجيه من خلال تحديد أهداف عامة يتم تنفيذها على مستوى القطاعات وغالبا ما يتم ذلك من خلال الوزارات المختصة والمنظمات متعددة الأطراف والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

استجابة للواقع البيئي الراهن، يأتي إطلاق  مركز السياسات المبتكرة للبيئة

 (حابي)  كمبادرة محورية لمعالجة هذه التحديات، حيث يمثل المركز أداة عملية لتوفير حلول  لأزمة المناخ واستراتيجية للتكيف مع أثاره بحد ذاته. تيمنًا بمكانة إله الخصوبة عند المصري القديم[1] سُمي المركز بهذا الاسم. ويعتبر حابي أيضًا امتدادًا لمعمل الأثر المصري الذي تم إنشاؤه بالشراكة بين معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي بهدف توظيف البحث القائم على الأدلة لتحسين السياسات والبرامج المناخية في مصر.

تُسهم مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية ومجتمع جميل في تعزيز تأسيس حابي ودعم قدراته التشغيلية باعتبارهما شريكين تمويليين ذوي توجه خيري، فتمثل مؤسسة ساويرس، بصفتها مؤسسة مصرية مانحة رائدة، نموذجًا يتجاوز التمويل إلى الاستثمار المؤثر وقيادة المعرفة التنموية والدعم الفني الهادف إلى إحداث تغيير ملموس، فنحن نلتزم بتطوير حلول مبتكرة ومحلية تُسهم في تمكين المجتمعات الأكثر تأثرًا وهشاشةً من التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.

يوفر حابي آلية عملية لترجمة البحوث إلى استراتيجيات قابلة للتطبيق إلى واقع ملموس في مجالي التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، ويتيح ذلك للباحثين التعاون مع معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر والجهات الحكومية لوضع سياسات بيئية قائمة على الأدلة، واختبارها، وتوسيع نطاقها.

وبدمج المعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة لمعمل الأثر المصري تحت مظلته، وبتوفير دعم إضافي من منظمة يونيسف مصر، يمثّل حابي مبادرة تشاركية متعددة الأطراف تسعى لبناء مستقبل أكثر خضرة وقدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ في مصر.

 

المساهمة في الأهداف البيئية الوطنية لمصر

يمثل حابي محورًا رئيسيًا يتماشى مباشرة مع البُعد البيئي لرؤية مصر للتنمية المستدامة 2030[1] التي تحدد معايير التكيف مع تغير المناخ، ويسهم مركز حابي من خلال توفير الأدلة ودعم قرارات السياسات المرتبطة بجودة الهواء والمياه في تحقيق أهداف المساهمات المحددة وطنيًا [2]، بما في ذلك زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات. ويركز حابي أيضًا على دعم اتخاذ القرار ضمن مبادرة  نُوَفِّــي[3] التي ترعاها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ويهدف المركز من خلال البحث المنهجي والتعاون مع مختلف الشركاء إلى تعزيز تنفيذ استراتيجية تغير المناخ الوطنية [4]2050، بما يوفر مستقبلًا أكثر قدرة على الصمود والاستدامة في مصر.

 

الخاتمة

تكشف الحالة الراهنة لتغير المناخ وإدارة المعرفة المرتبطة به في مصر والمنطقة عن تحديات جوهرية تعرقل دعم السياسات المناخية المبنية على الأدلة. وعلى الرغم من تعرض المنطقة للعديد من الآثار السلبية لتغير المناخ، لا تزال نظم المعلومات مجزأة وغير موحدة وتعاني من عقبات بيروقراطية وضعف في هياكل حوكمة المناخ ومحدودية الشفافية، مما يعوق تبادل المعرفة واستخدامها بفعالية.

يعزز حابي قدرة مصر على وضع سياسات مناخية مستندة إلى الأدلة العلمية، ومكافحة الفقر من خلال معالجة تحديات إدارة المعرفة التي تعتبر ضرورية لضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وتسعى مصر
من خلال تطوير نظم معلومات مركزية، وتيسير الوصول إلى بيانات المناخ، وتعزيز القدرات المؤسسية، وتشجيع التعاون الإقليمي، إلى بناء أساس قوي لجهود التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره

تم نشر المقالة الأصلية ضمن الإصدار الربع سنوي الثاني لعام 2025 للمجلة الدورية لمنظمة F20

منشورات أخرى

المزيد من الموارد

المشاركة الاجتماعية

المؤلف (المؤلفون)

أدهم حمدي

مسؤول رئيسي للتعلم والابتكار- مؤسسة ساويرس

 

يدير أدهم حاليًا برنامج بناء القدرات، والمناصرة، والاتصال الاستراتيجي، وإدارة المعرفة في مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، وعمل سابقًا مستشارًا في مجال الإصلاح الإداري للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، كما عمل في المجلس الوطني المصري للتنافسية.

وحصل أدهم على درجة الماجستير في الفكر الاجتماعي والسياسي من جامعة ساسكس، ودرجة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة. يدعم أدهم مناصرة سياسات الاقتصاد البيئي والدائري والتضامن الاجتماعي الاقتصادي والشمول والمساواة.

 

[DISPLAY_ULTIMATE_SOCIAL_ICONS]