المعمل المصري لقياس الأثر: دعم السياسات والتدخلات القائمة على الأدلة

نشرت يوم الثلاثاء, 07 يونيو, 2022

"إذا كنا لا نعرف أن ما نقوم به عمل جيد، فنحن لسنا أفضل من أطباء العصور الوسطى ودود العلق الذي كانوا يستخدمونه؛ أحيانا يعيش المريض وأحيانا يموت المريض ولا ندري إن كان السبب في ذلك هو دود العلق؟ أم شيء آخر؟ " - استير دوفلو

يتيح لنا جمع البيانات وتقييم الأثر تحديد ما يصلح وما لا يصلح، وهو ما أدى إلى ثورة في عالم التنمية من حيث تخصيص الموارد والتمويل. لقد تبنت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية فلسفة الإيثار الفعال التي تهدف إلى تعظيم أثر الموارد المخصصة لدعم برامج التنمية من خلال ضمان الأثر الإيجابي لكل جنيه يتم إنفاقه على المستفيدين لدعم رفاهيتهم الاجتماعية والاقتصادية. فمن الناحية العملية، أنشأت المؤسسة نظاما للتمويل محدد بمعيارين أساسيين لاختيار المشاريع وهما؛ وجود أدلة علمية تدعم المقترحات، وفعالية تكلفة التدخلات المقترحة. كما تبذل مؤسسة ساويرس جهودا متواصلة على المستوى المؤسسي لتصبح منظمة تعلُّمية تعتمد على أنظمة مراقبة وتقييم صارمة. وتسعى أيضا لتطوير استراتيجيتها للأعوام 2023-2028، والتي تستند بالكامل على الأدلة العلمية. لا تسعى المؤسسة إلى تبني هذه الفلسفة فحسب، بل تسعى أيضا إلى تعزيزها داخل مجتمع التنمية ودعم الحكومة والجهات الفاعلة الأخرى للتحرك في هذا الاتجاه.

وفي إطار الالتزام بالتوافق مع أولويات الحكومة وممارسة الإيثار الفعال، أعلنت مؤسسة ساويرس عن دعمها كشريك مؤسس للمعمل المصري لقياس الأثر، جنبا إلى جنب مع مجتمع جميل ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف في مصر)، حيث أن المؤسسة لا تمول المشاريع القائمة على الأدلة فحسب، بل تعمل على دعم الجهود خارج أسوارها من خلال المبادرات الرائدة مثل مختبر قياس الأُثر المصري، لذلك قامت المؤسسة،  بالتعاون مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ومعمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (J-PAL MENA) بدعم إطلاق هذه المبادرة لتعزيز قياس تأثير برامج وتدخلات التنمية الوطنية. كما أن تنفيذ التقييمات العشوائية وتحليل البيانات الإدارية سوف يضمن تدخلات فعالة من حيث التكلفة وتحسين تصميم برامج التخفيف من حدة الفقر.  ونظرًا لمحدودية الموارد الحكومية، فمن الضروري الاستثمار في فهم ما يصلح وما لا يصلح لمساعدة أكبر عدد من الأشخاص المحتاجين بأقل تكلفة مالية.


الركائز الثلاث للمعمل المصري لقياس الأثر:

يقوم المعمل على ثلاث ركائز إرشادية تحدد مجالات العمل والأنشطة المختلفة ضمن المبادرة:

  • أولا، تقييم فعالية البرامج والمبادرات التي حددتها الحكومة المصرية، حيث يهدف المختبر إلى إطلاق ثلاثة تقييمات للأثر سنويا لتحديد الأولويات القصوى جنبا إلى جنب مع الشركاء الاستراتيجيين من القطاع الحكومي.
  • ثانيا، بناء قدرات الوزارات والعاملين في مجال التنمية، وإرشادهم من خلال الأدلة الدقيقة وكيفية الاستفادة منها وتطبيقها في تقييم البرامج والمشروعات الوطنية. وسوف تضمن الجلسات التدريبية حصول جميع أصحاب المصلحة والشركاء على الأدلة وفهمها حتى يتم استخدامها لتصميم السياسات والبرامج بشكل أفضل. بالإضافة لذلك، سوف يقوم المعمل بإنشاء زمالة للباحثين الواعدين، بهدف تعزيز المنظومة البحثية في مصر.
  • ثالثا، تسليط الضوء على البيانات الإدارية للوزارات وأصحاب المصلحة والشركاء الآخرين. وقد أكدت الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، في كلمتها خلال حفل إطلاق المعمل المصري لقياس الأثر أن البيانات داخل الوزارة أصبحت متاحة وأن تحليل هذه البيانات يمكن أن يؤدي إلى رؤى ونتائج مهمة.


مؤسسة ساويرس والارتباطات الحكومية الأخرى

 في رحلتها لتعظيم أثر برامجها، توجه مؤسسة ساويرس تمويلها إلى المنظمات غير الحكومية لتنفيذ مشروعات مبتكرة، ثبت نجاح العديد منها بالفعل في أماكن أخرى. ومن خلال الجهود المبذولة لتنفيذ هذه التدخلات التي تم اختبارها، ووضعها في السياق المصري، واختبارها من خلال الكيانات الشريكة المنفذة، تهدف مؤسسة ساويرس إلى توسيع نطاق المشروعات ذات النتائج الواعدة. وتعتبر الجهات الحكومية شريكا أساسيا في القيام بذلك، من أجل توسيع نطاق هذه المشروعات والوصول إلى الفئات المستحقة، مما سيكون له أعظم الأثر على الدولة. كما أن هذه المشروعات تتوافق تماما مع أولويات الحكومة وتتلاءم مع المجالات الموضوعية الرئيسية للمعمل المصري لقياس الأثر؛ والتي تتضمن الحماية الاجتماعية والتوظيف وتنظيم الأسرة، مع التركيز على التوظيف لأنه عامل أساسي للحد من الفقر ومعالجة عدم المساواة في البلاد. فالعديد من البرامج الوطنية تسعى إلى تقليل معدل البطالة لتحفيز الاقتصاد المصري والسماح بإدماج المصريين الأقل حظا في عملية التنمية، لهذا أصبح من الضروري ضمان فعالية هذه التدخلات. يلتزم المعمل المصري لقياس الأثر أيضا بالبحث في مجال تنظيم الأسرة لمعالجة الزيادة الهائلة في عدد السكان المصريين وسياسات التخفيف الممكنة.

وفيما يتعلق بالحماية الاجتماعية، تتشارك مؤسسة ساويرس ومختبر قياس الأثر المصري ذات الهدف المتمثل في دعم الأفراد والأسر المهمشة. ومن النماذج الدالة على هذا التوافق هو برنامج «باب أمل»، وهو النسخة المعدلة من برنامج التخرج من الفقر المدقع التابع لـ منظمة براك الدولية BRAC، والذي تم تنفيذه في صعيد مصر من خلال الشركاء التنفيذيين لمؤسسة ساويرس. يحقق هذا البرنامج التجريبي، الذي يتم تنفيذه حاليا، نتائج أولية واعدة، مما يتيح المجال أمام تنفيذ مدخلات برنامج «باب أمل» على نطاق أوسع في المزيد من المحافظات، لإخراج آلاف المصريين من الفقر المدقع. إضافة لذلك، تضافرت جهود وزارة التضامن الاجتماعي ومؤسسة ساويرس في دعم مشروع «تنمية الطفولة المبكرة»، إدراكا لأهمية بناء أساس قوي في هذه المرحلة لمستقبل الأجيال الجديدة. يهدف هذا المشروع إلى تحسين جودة دور الحضانة وتوسيع إمكانية الوصول لها في جميع أنحاء مصر. وقد قامت مؤسسة ساويرس بدعم معمل عبد اللطيف جميل في إجراء تقييم أثر لهذه القضية، والذي أعقبه عقد مناقشات مائدة مستديرة مع ممثلي الحكومة مما سمح بوضع التوجيهات والخطوات التالية التي تتعلق بتنمية الطفولة المبكرة.

وبالتعاون مع وزارة التعليم، والشركاء التنفيذيين، أطلقت مؤسسة ساويرس في مصر برنامج التدريس القائم على المستوى الصحيح، الذي يتم تطبيقه في الهند، بهدف تزويد طلاب المدارس الابتدائية بمهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية. وقد سمحت وزارة التربية والتعليم بدمج هذا البرنامج في جميع المدارس في الدولة لضمان اكتساب جميع الأطفال للمفاهيم الأساسية في مرحلة التعليم المبكر.


في الختام، تؤمن مؤسسة ساويرس أن المعمل المصري لقياس الأثر بادرة حاسمة نحو سياسات عامة ذات فعالية. كما تؤمن أن دعم المزيد من الأبحاث في مصر لتحديد أي من التدخلات التنموية تصلح وأيها لا تصلح، سوف يسمح بتخصيص فعال للموارد الشحيحة وإحداث أثر أكبر على حياة المستفيدين. برغم أن المعمل لا يزال في مرحلته الأولية، إلا أن الإمكانات التي يطرحها هائلة ومجال الدعم لا حدود له. إلى جانب مؤسسة ساويرس، ندعو المنظمات الأخرى التي تؤمن ايمانا راسخا بالبرامج القائمة على الأدلة لدعم ومناصرة الجهود المبذولة من أجل تعميم هذا النهج العلمي على المستوى الوطني.


ترجمة: وسام رجب

المؤلف

باتريسيا سمان
باتريسيا هي مسؤول استراتيجيات في مؤسسة ساويرس وقد لعبت دورًا رئيسيًا في قيادة عملية تجميع المعلومات وتطوير الإستراتيجية الجديدة. باتريسيا حاصلة على درجة البكالوريوس في الإدارة العامة من جامعة إيراسموس في روتردام ولا تزال شغوفة بترجمة البحوث إلى سياسات لخدمة الشعب المصري بشكل أكثر كفاءة.