تعد إحدى كبرى التحديات في العالم هي وجود تلك الفجوة ما بين الاحتياجات والموارد المتاحة1، لكن تزداد تلك الفجوة عمقاً وتكون أكثر تأثيرًا إذا ما انعدمت عدالة التوزيع. بناء على ذلك عملت العديد من المنظمات على تحقيق التوزيع العادل للموارد؛ والذي لا يعني بالطبع منح الجميع نفس المقدار. بل يؤكد على ضمان حصول الجميع على الموارد التي يحتاجون إليها للازدهار بناء على احتياجاتهم، وقدارتهم، والفرص المتاحة لهم. يظهر هذا التحدي في المجتمع المدني، حيث أن هناك تفاوتًا كبيرًا في حصص الحصول على تمويل بين منظمات المجتمع المدني، وذلك يؤثر، ليس فقط على فرص المنافسة العادلة، ولكن على جوانب أخرى لا تقل أهمية، فهو يبقي عددًا كبيرًا من المنظمات الصغيرة في هامش عملية التنمية لا تعمل بكامل قدراتها، كما أنَّه في نفس الوقت يهدد استمرارية جانب آخر من هذه المنظمات، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى حرمان المجتمعات من منظمات أُنشئت من أجل تنميته ورعاية مصالحه. هذا في ظل التسليم بأهمية الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في معالجة القضايا الاجتماعية وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم الخدمات للمجتمعات. ومع ذلك، غالبًا ما تواجه تحديات في تأمين الحد الأدنى من التمويل اللازم لتحقيق رسالتها، أو العمل طبقا لأولوياتها، والاحتياجات الفعلية لمجتمعاتها. يؤدي التوزيع غير العادل للموارد - الأموال على وجه الخصوص - بين منظمات المجتمع المدني إلى عدد من القضايا الحيوية، منها:
ونتيجة لذلك تترسخ دورة لا نهائية (حلقة مفرغة) من التمويل غير العادل لمنظمات المجتمع المدني، وبالتالي ضعف فرص الشريحة الأكبر من هذه المنظمات في تطوير قدراتها وفعاليتها، ومن ثم فشلها في مقابلة التوقعات وتلبية الاحتياجات المجتمعية، وترسيخ مزيد من الإحساس بالظلم الاجتماعي والتهميش لدى فئات واسعة من المواطنين. وهو ما قد لا يتوافق مع أهداف المانحين من استهداف أفقر الفقراء والفئات الأكثر هشاشة.
تهدف هذه المدونة إلى تسليط الضوء وجذب انتباه الأطراف المعنية والجهات المانحة الراغبة في تحقيق أثر حقيقي على المجتمع إلى قضية مؤثرة في أداء قطاع واسع من منظمات المجتمع المدني وهي كيفية تحقيق "تمويل أكثر إنصافًا لمنظمات المجتمع المدني" مما يؤدي إلى تعزيز فعالية ودور منظمات المجتمع المدني، خاصة الصغيرة ذات التمويل المحدود، حديثة الإشهار؛ من خلال نظام عادل ومتنوع لتمويل يضمن حدًا أدنى من الحرية والاستدامة المالية لهذه المنظمات، ويجعلها قادرة عل الاستمرار وتحديد أولوياتها، والتركيز على ما يساعدها على تأدية رسالتها، وتحسين قدرتها على تلبية احتياجات مجتمعية أكبر.
يمكِّن هذا التمويل العادل منظمات المجتمع المدني من تخصيص جانب منه في بناء استمراريتها وقدراتها على تدبير تمويل مستدام يمكنها من تجاوز الحلقة المفرغة السابق الإشارة إليها سابقًا، والناشئة عن نقص التمويل. فعلى سبيل المثال يمكن للمنظمة توظيف ما يمكن أن نطلق عليه "تمويل الحد الأدنى" في:
إن الأطراف المعنية بالمجتمع المدني في حاجة إلى استراتيجية واضحة تسعى إلى تمويل عادل لمنظمات المجتمع المدني، مبني على أساس تحقيق الأثر، والأسس العلمية والثقة بين الأطراف الممولة والمنفذة كشركاء متساويين، ويتم ذلك من خلال تعزيز توزيع الموارد بشكل عادل، بما يضمن لهذه المنظمات فرصًا أفضل في الوصول إلى التمويل الضروري الذي يمكنهم من خدمة مجتمعاتهم بفعالية. فبدون تمويل كافٍ، قد تواجه صعوبة في تطوير نهج جديدة أو الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار. يعتبر التمويل العادل للمنظمات غير الحكومية أمر ضروري لتحقيق مجتمع أكثر عدالة ومساواة، حيث يتمكن الجميع من الوصول إلى قدر من الموارد التي يحتاجونها من أجل الاستمرار في السعي إلى تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
لكل من الأطراف المعنية الرئيسية دور في التأسيس لهذه الاستراتيجية، خاصة اللاعبين الرئيسيين:
المانحون:
الجهة الإدارية:
القطاع الخاص:
المجتمع المدني:
ختامًا، يعد التمويل العادل للمنظمات المجتمعية المدنية ضروريًا لتحقيق مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا؛ حيث يتمتع الجميع بالوصول إلى الموارد التي يحتاجونها لتحقيق إمكاناتهم الكاملة، والوفاء بالرهانات الكبيرة المنعقدة عليهم.
1 Inadequate funding is a serious challenge facing local governments in developing countries for financing the construction, operation and maintenance of public spaces, such as roads, public parks and malls, and urban basic services (The challenge of local government financing in developing countries.pdf (unhabitat.org)).
2 يمكن أن يضم مثل هذا البرنامج مختلف شركاء التنمية ولا يقتصر على مؤسسات التمويل، فيتم إنشاء صندوق دعم المنظمات حديثة الإشهار بمساهمة من كل من الجهة الإدارية والقطاع الخاص. حيث يمكن أن يستفيد من مثل هذا الصندوق عدد كبير من المنظمات وبالتالي المجتمعات.